وَمِمَّا سَأَلَ بِهِ سَيِّدُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْضَ الفُقَهَاءِ فِي مَجْلِسِهِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ خَوْفُ مُوسَى مِنَ السَّحَرَةِ وَفِعْلِهِمْ، مَعَ كَوْنِهِ لَا يَخَافُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَكْتَرِثُ بِهِم ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ رَيْبٌ فِي أَنَّهُ مَبْعُوثٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِحُجَّةٍ عَيْنِيَّةٍ قَاطِعَةٍ لِجَمِيعِ وُجُوهِ الرَّيْبِ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مَنْصُورٌ بِاللَّهِ لِلْعِلْمِ القَطْعِيِّ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ الَّذِي لَا خُلْفَ لَهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ، وَبِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ)
فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الخَوْفُ فِي قَلْبِهِ مَعَ عِلْمِهِ القَطْعِيِّ بِهَذَا الأَمْرِ، وَمَعَ كَمَالِ عِلْمِهِ أَنَّ البَاطِلَ لَا يَثْبُتُ لِظُهُورِ الحَقِّ، كَمَا قِيلَ فِي المَثَلِ السَّائِرِ: لِلحَقِّ جَوْلَةٌ وَلِلبَاطِلِ صَوْلَةٌ، إِذَا جَاءَ الحَقُّ بِجَوْلَتِهِ ذَهَبَ البَاطِلُ بِصَوْلَتِهِ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الخَوْفِ مَعَ كَمَالِ عِلْمِهِ بِالأُمُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؟
فَأَجَابُوهُ بِمَا ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ فِي الآيَةِ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَالجَوَابُ عَنْ هَذَا المَحَطِّ أَنَّ خَوْفَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ الَّتِي ذُكِرَتْ
وَإِنَّمَا خَوْفُهُ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الأَكَابِرِ العَالِينَ مِنْ أَهْلِ الحَضْرَةِ الإِلَهِيَةِ، أَنَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَنَزُّلَاتٍ بِحُكْمِ القَهْرِ لِعَبِيدِهِ الخَاصَّةِ، وَتِلْكَ التَّنَزُّلَاتُ يُذِيقُهُمْ اللَّهُ فِيهَا مِنْ مَرَارَةِ قَهْرِهِ وَفَسَاحَةِ بَأْسِهِ عَلَى مَا هُوَ مُضْمَرٌ عِنْدَهُ فِي حَضْرَتِهِ أَنَّ لِلخَاصَّةِ العُلْيَا عِنْدَهُ تَنَزُّلَاتٍ تُشْبِهُ فِي وَقَائِعِهَا شِدَّةَ انْتِقَامِهِ مِنَ الكَفَرَةِ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِزْرَاءً بِمَرَاتِبِهِمْ، وَلَا إِسْقَاطاً لِعَظِيمِ وَجَاهَتِهِمْ عِنْدَهُ.